صدقة الفطر |
مشروعيتها
فرضت زكاة الفطر في السنة الثانية من الهجرة، ودليل مشروعيتها عموم القرآن الكريم، وصريح السنة الصحيحة وإجماع المسلمين.
قال تعالى (قد أفلح من تزكى) أي قد فاز وأفلح من زكى نفسه بالصدقة وطهرها.
وقد كان عمر بن عبدالعزيز رحمه الله يأمر بزكاة الفطر، ويتلو هذه الآية: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴾ [الأعلى: 14]، وقال عِكْرمة رحمه الله في الآية: هو الرجل يقدِّم زكاته بين يدي صلاتِه - أي: قبل صلاة العيد -.
وهكذا قال غيرُ واحدٍ من السلف رحمهم الله في الآية: هي زكاة الفطر، ورُوِي ذلك مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم عند ابن خُزيمة وغيره، وقال مالك رحمه الله: هي - يعني: زكاة الفطر - داخلةٌ في عموم قوله تعالى: ﴿ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 43].
حكمها
نقل ابنُ المنذر وغيرُه الإجماعَ على وجوبها، وقال إسحاق رحمه الله: هو كالإجماع.
وبوب عليها البخاري فقال "باب فرض صدقة الفطر" وأورد حديث ابن عمر (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْر) متفق عليه.
مقدارها ونوعها
مقدار زكاة الفطر صاعاً من تمرٍ أو شعيرٍ أو من أي صنف من أصناف الطعام الموجود في البلد المهم أن يكون طعاماً لقول أبي سعيد الخدري فيما رواه البخاري (كنا نُخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام).
وهو قول مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، أنه يُجزئ كلُّ حَبٍّ وثمر يُقتات به، ولو لَم تُعْدَمِ الخمسة المذكورة في الحديث، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيميَّة، واحتجّ له بقوله تعالى: ﴿ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ﴾ [المائدة: 89]، وبقوله صلى الله عليه وسلم: «صاعًا من طعام»، والطعام قد يكون بُرًّا أو شعيرًا، وقال: هو قول أكثر العلماء، وأصحُّ الأقوال؛ فإنَّ الأصل في الصدقات أنها تجب على وجْه المساواة للفقراء.
وقال ابن القَيِّم رحمه الله: وهو الصواب الذي لا يُقال بغيره؛ إذ المقصود سدُّ خَلَّة المساكين يوم العيد، ومُواساتهم من جنس ما يَقتات أهْل بلدهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أَغنُوهم في هذا اليوم عن الطواف».
والمراد بالصاع الصاع النبوي وهو أربعة أمداد والـمُدُّ ملءُ كَفَّي الرَّجُل المتوسط اليدين ما يقارب 2500جرام، 2 كيلوا ونصف.
واختلف في أفضلها، فمذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور أنّ الـبُـرُّ أفضل من التمر وغيره.
وفي الموطأ "كان ابن عمر لا يُخرج إلا التمر في زكاة الفطر".
فيستحب للمسلم أن يخرجها من أحب الطعام عنده، قال تعالى (لن تنالوا البِر حتى تنفقوا مما تحبون)[ آل عمران]
وقت إخراجها
لإخراج زكاة الفطر وقتان
الأول : وقتُ أفضليَّة
ويبدأ من غروب الشمس ليلة العيد إلى العيد، وأفضلُه ما بين صلاة الفجر وصلاة العيد، بدليل ما رواه البخاري (عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ).
قال ابن حجر عند شرحه لحديث ابن عمر "اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِهَا غُرُوبُ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْفِطْرِ ، لِأَنَّهُ وَقْتُ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ ، وَقِيلَ : وَقْتُ وُجُوبِهَا طُلُوعُ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ ، لِأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ الْفِطْرُ الْحَقِيقِيُّ بِالْأَكْلِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ ، وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ ، وَالثَّانِي قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ مَالِكٍ ، وَيُقَوِّيهِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ : (وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ)" [فتح الباري شرح صحيح البخاري]
الثاني: وقتُ إجزاء
وهو قبل العيد بيوم أو يومين؛ لِمَا في صحيح البخاري رحمه الله:" وكانوا - يعني: الصحابة - يعطون - أي: المساكين - قبل الفطر بيوم أو يومين"، فكان إجماعًا منهم.
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "فمَن أدَّاها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات" رواه أبو داود وغيرُه.
قال ابن القَيِّم رحمه الله: مُقتضاه أنه لا يجوز تأخيرُها عن صلاة العيد. يعني من غير عُذْرٍ، وأنها تفوتُ بالفَرَاغ من الصلاة.
وقال شيخ الإسلام: إنْ أخَّرها بعد صلاة العيد، فهي قضاءٌ ولا تَسقط بخروج الوقت.
وقال غيرُه: اتَّفق العلماء على أنها تسقط عمَّن وجَبَتْ عليه بتأخيرها، وهي دَينٌ عليه حتى يؤدِّيها، وأنَّ تأخيرَها عن يوم العيد حرامٌ، ويقضيها آثمًا إجماعًا إذا أخَّرها عَمْدًا.
على من تجب زكاة الفطر
تجب زكاة الفطر على كل مسلم ذكرا أم أنثى حُرّاً أم عبداً صغيراً أم كبيراً، لحديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ".
قال ابن حجر العسقلاني "قَوْلُهُ : ''وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى'' ظَاهِرُهُ وُجُوبُهَا عَلَى الْمَرْأَةِ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا زَوْجٌ أَمْ لا، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ : تَجِبُ عَلَى زَوْجِهَا إِلْحَاقًا بِالنَّفَقَةِ . وَفِيهِ نَظَرٌ ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا : إِنْ أَعْسَرَ وَكَانَتِ الزَّوْجَةُ أَمَةً وَجَبَتْ فِطْرَتُهَا عَلَى السَّيِّدِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَافْتَرَقَا ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُخْرِجُ عَنْ زَوْجَتِهِ الْكَافِرَةِ مَعَ أَنَّ نَفَقَتَهَا تَلْزَمُهُ ، وَإِنَّمَا احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ مُرْسَلا نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ، وَزَادَ فِيهِ : " مِمَّنْ تَمُونُونَ " وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، فَزَادَ فِي إِسْنَادِهِ ذِكْرَ عَلِيٍّ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا . وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا .
قَوْلُهُ : "وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ" ظَاهِرُهُ وُجُوبُهَا عَلَى الصَّغِيرِ ، لَكِنَّ الْمُخَاطَبَ عَنْهُ وَلِيُّهُ ، فَوُجُوبُهَا عَلَى هَذَا فِي مَالِ الصَّغِيرِ ، وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : هِيَ عَلَى الْأَبِ مُطْلَقًا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ : لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ صَامَ ، وَاسْتُدِلَّ لَهُمَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا : صَدَقَةُ الْفِطْرِ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذِكْرَ التَّطْهِيرِ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ كَمَا أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يُذْنِبْ كَمُتَحَقِّقِ الصَّلَاحِ أَوْ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِلَحْظَةٍ ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْجَنِينِ ، قَالَ : وَكَانَ أَحْمَدُ يَسْتَحِبُّهُ وَلَا يُوجِبُهُ.
وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ : "طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ" عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ كَمَا تَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ ، وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ ، وَفِي حَدِيثِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُغيْرٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ ، وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ مَلَكَ نِصَابًا ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ ، وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ : لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى .
وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ." [فتح الباري شرح البخاري]
لمن تُعطى صدقة الفطر
في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "فرَضَ رسول صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر؛ طُهْرة للصائم من اللغو والرَّفَث، وطُعمة للمساكين"، ففي هذا الحديث أنها تُصْرَف للمساكين دون غيرهم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله: لا يجوز دَفْعُها إلا لِمَن يستحقُّ الكفَّارة، وهم الآخذون لحاجة أنفسهم.
ويجوز أن يُعطي الجماعةُ أو أهْلُ بيت زكاتَهم لمسكين واحدٍ، وأنْ تقسَّم صدقة الواحد على أكثر من مسكين للحاجة الشديدة، ولكن ينبغي أن تُسَلَّمَ لنفْس المسكين أو لوكيله المفوَّض في استلامها من قِبَله.
حكم إخراج زكاة الفطر نقوداً
لا يجوز إخراجُ قيمة الفطر بدلاً عنها؛ لنصِّ النبي صلى الله عليه وسلم على أنواع الأطعمة مع وجود قيمتها؛ فلو كانت القيمة مُجزِئة، لبيَّن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يجوز تأخيرُ البيان عن وقت الحاجة، وكذلك فإنه لا يُعلَم أنَّ أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخْرَجَ زكاة الفطر نقودًا - مع إمكانيَّة ذلك في زمانهم - وهم أعرفُ بسُنَّته، وأحْرَصُ على اتِّباع طريقته، وأيضًا فإنَّ إخراجَ القيمة يُفْضِي إلى خَفاء هذه الشعيرة العظيمة، وجَهْل الناس بأحكامها، واستهانتهم بها.
قال الإمام أحمد: لا يُعطي القيمة، قيل له: قوم يقولون: عمر بن عبدالعزيز كان يأخذُ القيمة؟ قال: يَدَعُون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون: قال فلان؟! وقد قال ابن عمر: فرَضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر.
فإخراجُ القيمة بدلاً عن الطعام لا يجوز؛ لأنه مُخَالف لأمْرِ النبي صلى الله عليه وسلم وفِعْله، وعملِ أصحابه من بعده، وإنْ قال به بعضُ أهل العلم، فالعِبرة بما ثبَتَ عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بما يُخَالف هَدْيه من آراء الرجال.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: يوشِك أن تنزلَ عليكم حجارة من السماء، أقول لكم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر!.
وفي النهاية إذا أعجبك الموضوع فلا تتردد في مشاركته عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الأسفل ليستفيد غيرك وتكسب أجر من تعلم بسببك فإن الدال على الخير كفاعله.
نستمع آراءكم في التعليقات
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقك هنا