القائمة الرئيسية

الصفحات

الآيات 


{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)}


تفسير الشوكاني


مناداة أصحاب الجنة لأصحاب النار لم تكن لقصد الإخبار لهم بما نادوهم به، بل لقصد تبكيتهم وإيقاع الحسرة في قلوبهم، و{أَن قَدْ وَجَدْنَا} هو نفس النداء، أي إنا قد وصلنا إلى ما وعدنا الله به من النعيم، فهل وصلتم إلى ما وعدكم الله به من العذاب الأليم؟ والاستفهام هو للتقريع والتوبيخ.

 وحذف مفعول وعد الثاني لكون الوعد لم يكن لهم بخصوصهم، بل لكل الناس كالبعث والحساب والعقاب.

 وقيل حذف لإسقاط الكفار عن رتبة التشريف بالخطاب عند الوعد.

 

{قَالُواْ نَعَمْ} أي وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً.

 والمؤذن:المنادي، أي فنادى مناد بينهم أي بين الفريقين؛ قيل: هو من الملائكة {أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظالمين }


وجملة: {الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} صفة للظالمين.

 والصدّ: المنع، أي يمنعون الناس عن سلوك سبيل الحق {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} أي يطلبون اعوجاجها، أي يُنفّرون الناس عنها ويقدحون في استقامتها، بقولهم إنها غير حق وإن الحق ما هم فيه، والعوج بالكسر في المعاني والأعيان، ما لم يكن منتصباً، وبالفتح ما كان في المنتصب كالرمح.

وجملة: {وَهُم بالآخرة كافرون} في محل نصب على الحال.


قوله: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ} أي بين الفريقين، أو بين الجنة والنار.

 والحجاب هو السور المذكور في قوله تعالى: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ} [الحديد:13].


قوله: {وَعَلَى الأعراف رِجَالٌ} الأعراف: جمع عُرف، وهي شرفات السور المضروب بينهم، ومنه عرف الفرس وعرف الديك، والأعراف في اللغة: المكان المرتفع، وهذا الكلام خارج مخرج المدح كما في قوله: {رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تجارة وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله} [النور:37].


وقد اختلف العلماء في أصحاب الأعراف من هم؟ فقيل هم الشهداء، ذكره القشيري وشرحبيل بن سعد.

 وقيل: هم فضلاء المؤمنين، فرغوا من شغل أنفسهم وتفرّغوا لمطالعة أحوال الناس ذكره مجاهد.

 وقيل: هم قوم أنبياء، ذكره الزجّاج.

 وقيل: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، قاله ابن مسعود وحذيفة بن اليمان، وابن عباس والشعبي، والضحاك وسعيد بن جبير.

وقيل:هم ملائكة موكلون بهذا السور، يميزون الكافرين من المؤمنين قبل إدخالهم الجنة والنار، ذكره أبو مجلز.


وجملة: {يَعْرِفُونَ كُلاًّ بسيماهم} صفة الرجال والسيما العلامة، أي يعرفون كلاً من أهل الجنة والنار بعلاماتهم كبياض الوجوه وسوادها، أو مواضع الوضوء من المؤمنين، أو علامة يجعلها الله لكل فريق في ذلك الموقف، يعرف رجال الأعراف بها السعداء من الأشقياء.


{وَنَادَوْاْ أصحاب الجنة} أي نادى رجال الأعراف أصحاب الجنة حين رأوهم {أَن سلام عَلَيْكُمْ} أي نادوهم بقولهم سلام عليكم، تحية لهم وإكراماً وتبشيراً، أو أخبروهم بسلامتهم من العذاب.


قوله: {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} أي لم يدخل الجنة أصحاب الأعراف، والحال أنهم يطمعون في دخولها.

 وقيل معنى: {يَطْمَعُونَ} يعلمون أنهم يدخلونها، وذلك معروف عند أهل اللغة، أي طمع بمعنى علم.ذكره النحاس.


قوله:{وَإِذَا صُرِفَتْ أبصارهم تِلْقَاء أصحاب النار} أي إذا صرفت أبصار أهل الأعراف تلقاء أصحاب النار أي جهة أصحاب، وأصل معنى {تِلْقَاء} جهة اللقاء، وهي جهة المقابلة، ولم يأت مصدر على تفعال بكسر أوّله غير مصدرين، أحدهما هذا، والآخر تبيان. وما عداهما بالفتح.

{قَالُواْ} أي قال أهل الأعراف {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ القوم الظالمين} سألوا الله أن لا يجعلهم منهم {ونادى أصحاب الأعراف رِجَالاً} من الكفار {يَعْرِفُونَهُمْ بسيماهم} أي بعلاماتهم {قَالُواْ} بدل من نادى {مَا أغنى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ} الذي كنتم تجمعون للصدّ عن سبيل الله، والاستفهام للتقريع والتوبيخ.


قوله:{وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ}، {ما} مصدرية، أي وما أغنى عنكم استكباركم، {أهؤلاء الذين أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ الله بِرَحْمَةٍ} هذا من كلام أصحاب الأعراف، أي قالوا للكفار مشيرين إلى المسلمين الذين صاروا إلى الجنة هذه المقالة.

وقد كان الكفار يقسمون في الدنيا عند رؤيتهم لضعفاء المسلمين بهذا القسم.

 وهذا تبكيت للكفار وتحسير لهم.


قوله:{ادخلوا الجنة لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} هذا تمام كلام أصحاب الأعراف، أي قالوا للمسلمين ادخلوا الجنة، فقد انتفى عنكم الخوف والحزن بعد الدخول.


قوله:{أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الماء} الإفاضة: التوسعة، يقال أفاض عليه نعمه، أي طلبوا منهم أن يواسوهم بشيء من الماء، أو بشيء مما رزقهم الله من غيره من الأشربة أو الأطعمة، فأجابوا بقولهم: {إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا} أي الماء وما رزقهم الله من غيره {عَلَى الكافرين} فلا نواسيكم بشيء مما حرّمه الله عليكم.

 

وقيل: إن هذا النداء من أهل النار كان بعد دخول أهل الأعراف الجنة، وجملة {الذين اتخذوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا} في محل جر صفة الكافرين، وقد تقدّم تفسير اللهو واللعب والغرر.


قوله:{فاليوم ننساهم} أي نتركهم في النار {كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هذا} الكاف: نعت مصدر محذوف، و{ما} مصدرية، أي نسياناً كنسيانهم لقاء يومهم هذا.


قوله: {وَمَا كَانُواْ بئاياتنا يَجْحَدُونَ} معطوف على ما نسوا، أي كما نسوا، وكما كانوا بآياتنا يجحدون، أي ينكرونها.


تفسير الطبري


القول في تأويل قوله تعالى : { ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم } يقول تعالى ذكره : ونادى أهل الجنة أهل النار بعد دخولهم الجنة : يا أهل النار قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا في الدنيا على ألسن رسله من الثواب على الإيمان به وبهم وعلى طاعته , فهل وجدتم ما وعدكم ربكم على ألسنتهم على الكفر به وعلى معاصيه من العقاب ؟ فأجابهم أهل النار بأن نعم , قد وجدنا ما وعد ربنا حقا .


وأما قوله : { فأذن مؤذن بينهم } يقول : فنادى مناد , وأعلم معلم بينهم , { أن لعنة الله على الظالمين } يقول : غضب الله وسخطه وعقوبته على من كفر به . وقد بينا القول في " أن " إذا صحبت من الكلام ما ضارع الحكاية وليس بصريح الحكاية , بأنها تشددها العرب أحيانا وتوقع الفعل عليها فتفتحها وتخففها أحيانا , وتعمل الفعل فيها فتنصبها به وتبطل عملها عن الاسم الذي يليها . 

وإذ كان ذلك كذلك , فسواء شُدِّدَت " أن " أو خففت في القراءة , إذ معنى الكلام بأي ذلك قرأ القارئ واحدا , وكانتا قراءتين مشهورتين في قراءة الأمصار. 


وأَمَّا قَوْله : { وَعَلَى الْأَعْرَاف رِجَال } فَإِنَّ الْأَعْرَاف جَمْع وَاحِدهَا عُرْف , وَكُلّ مُرْتَفِع مِنْ الْأَرْض عِنْد الْعَرَب فَهُوَ عُرْف , وَإِنَّمَا قِيلَ لِعُرْفِ الدِّيك : عُرْف , لِارْتِفَاعِهِ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ جَسَده.


ثم قال بعد أن ذكر الأقوال في أصحاب الأعراف : والصواب من القول في أصحاب الأعراف أن يقال كما قال الله جل ثناؤه فيهم : هم رجال يعرفون كلا من أهل الجنة وأهل النار بسيماهم , ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصح سنده ولا أنه متفق على تأويلها , ولا إجماع من الأمة على أنهم ملائكة .


 وقوله تعالى : { يعرفون كلا بسيماهم } يقول تعالى ذكره : وعلى الأعراف رجال يعرفون أهل الجنة بسيماهم , وذلك بياض وجوههم ونضرة النعيم عليها . ويعرفون أهل النار كذلك بسيماهم , وذلك سواد وجوههم وزرقة أعينهم , فإذا رأوا أهل الجنة نادوهم : سلام عليكم . والسيماء : العلامة الدالة على الشيء في كلام العرب.


وأما قوله : { ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون } أي حلت عليهم أمنة الله من عقابه وأليم عذابه . 


 قوله تعالى : { وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين } يقول تعالى ذكره : وإذا صرفت أبصار أصحاب الأعراف تلقاء أصحاب النار - يعني : حيالهم ووجاههم - فنظروا إلى تشويه الله لهم , { قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين } الذين ظلموا أنفسهم فأكسبوها من سخطك ما أورثهم من عذابك ما هم فيه .


وقوله تعالى : { ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون } يقول جل ثناؤه : { ونادى أصحاب الأعراف رجالا } من أهل الأرض { يعرفونهم بسيماهم } سيما أهل النار , { قالوا ما أغنى عنكم جمعكم } ما كنتم تجمعون من الأموال والعدد في الدنيا , { وما كنتم تستكبرون } يقول : وتكبركم الذي كنتم تتكبرون فيها .


وأما قوله : { ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون } فخبر من الله عن أمره أهل الجنة بدخولها .


وقوله تعالى : { ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين } وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن استغاثة أهل النار بأهل الجنة عند نزول عظيم البلاء بهم من شدة العطش والجوع , عقوبة من الله لهم على ما سلف منهم في الدنيا من ترك طاعة الله وأداء ما كان فرض عليهم فيها في أموالهم من حقوق المساكين من الزكاة والصدقة . 

يقول تعالى ذكره : ونادى أصحاب النار بعدما دخلوها أصحاب الجنة بعدما سكنوها أن يا أهل الجنة : { أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله } أي أطعمونا مما رزقكم الله من الطعام .


وقوله تعالى : { الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا } وهذا خبر من الله عن قيل أهل الجنة للكافرين , يقول تعالى ذكره : فأجاب أهل الجنة أهل النار : { إن الله حرمهما على الكافرين } الذين كفروا بالله ورسله , { الذين اتخذوا دينهم } الذي أمرهم الله به { لهوا ولعبا } يقول : سخرية ولعبا .


انتهى


الـدَّالُّ عَلَى الخَيْرِ كَفَاعِلِهِ.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع